الكيان الصهيوني وأمريكا يضربان مصر من إثيوبيا بـ«سد النهضة»
البداية أمريكية ﻓﻲ أﻏﺳطس عام 1957م، وعقب العدوان الثلاثي (البريطاني،
والفرنسي، والصهيوني) على مصر بعام واحد، وفي أوج الصراع الأمريكي مع نظام الرئيس
السابق «عبدالناصر»، بادرت الولايات المتحدة بتقديم عروض للحكومة الإثيوبية لدراسة
فكرة إنشاء سدود على نهر النيل، تستفيد منها في توليد الكهرباء والزراعة، كان من
الواضح أن هدفها سياسي بالمقام الأول، لا خدمي؛ وهو حصار مصر مائياً من الجنوب عبر
تحكم إثيوبيا – بهذه السدود - في كميات المياه التي تصل لمصر. وانتهى الأمر باتفاق
يتضمن دراﺳﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻟﺣوض اﻟﻧﻳﻝ اﻷزرق، ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻌد ﻋزم ﻣﺻر على إﻧﺷﺎء «اﻟﺳد اﻟﻌﺎﻟﻲ» ﻓﻲ
ذﻟك اﻟوﻗت، وﺟرى اﻟﺗوقيع ﻋﻠﻰ اﺗﻔﺎق رﺳﻣﻲ ﺑﻳن اﻟﺣﻛوﻣﺗﻳن، وجرى تكليف ﻣﻛﺗب اﻻﺳﺗﺻﻼح اﻟﺗﺎﺑﻊ
لوزارة اﻟداﺧﻠﻳﺔ اﻷﻣرﻳﻛﻳﺔ (US Bureau of Reclamation USBR) بالمشاركة ﻓﻲ اﻟﻣﺷروع اﻟﻣﺷﺗرك ﺑﻌﻧوان «اﻟﺑرﻧﺎﻣﺞ
اﻟﺗﻌﺎوﻧﻲ ﻟﻠوﻻﻳﺎت اﻟﻣﺗﺣدة اﻷﻣرﻳﻛﻳﺔ وإثيوبيا ﻟدراﺳﺔ ﺣوض اﻟﻧﻳﻝ اﻷزرق»، واﺳﺗﻣرت ﺗﻠك
اﻟدراﺳﺔ اﻟﻣﻛﺛﻔﺔ ﻟﻠﻣﺷروع ﻟﻣدة ﺧﻣس ﺳﻧوات (1958 – 1964م)، واﻧﺗﻬت ﺗﻠك اﻟدراﺳﺔ التي
جاءت في سبعة مجلدات، ﺑﺗﻘدﻳم ﺗﻘرﻳر نصح إثيوبيا ببناء أربعة سدود، وقدم الأمريكيون
26 موقعاً مقترحاً لبناء هذه السدود، وهي سدود سميت: «ﻛﺎرادوﺑﻲ، وﻣﺎﺑﻳﻝ، وﻣﺎﻧداﻳﺎ،
وبوردر أو اﻟﺣدود (اﻟﻧﻬﺿﺔ)»، وذلك بإجمالي ﻗدرة ﺗﺧزﻳن 81 ﻣﻠﻳﺎر متر مكعب (قدرة
السد العالي في مصر كانت تخزين حوالي 162 مليار متر مكعب). دور صهيوني ولكي نعرف
طبيعة الدور الصهيوني في هذا السياق - بالتحالف مع أمريكا – لحصار مصر مائياً،
نشير لما ذكره «نادر شلومو نكديمون»، مستشار رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق «إسحاق
شامير»، الذي أشار في كتابه «حلف الأطراف» أو (periphery alliance)، إلى أن «إسرائيل» دأبت منذ الخمسينيات من
القرن الماضي على توثيق علاقاتها بـ«الحركة الشعبية لتحرير السودان» التي تطالب
بانفصال السودان، وكذا دعم إثيوبيا في مشاريع السدود لحصار مصر مائياً، بخلاف
مشروعات في مجالات الزراعة والصحة والتعليم وتدريب وتأهيل العمال كنوع من الاختراق
للداخل الإثيوبي. أيضاً كشف المحلل السياسي الأمريكي «مايكل كيلو»، مؤلف كتاب «حروب
مصادر الثروة»، عن أن «إسرائيل» مارست دوراً كبيراً مع دول حوض النيل لنقض
المعاهدة الدولية التي تنظم توزيع مياه النيل، واعتبر أن هذا الأمر يأتي في إطار
الإستراتيجية الصهيونية لحصار مصر، وأوضح أن «إسرائيل» تمارس دوراً بين دول حوض
النيل ضمن مخطط أمريكي يسعى لانتزاع النفوذ في تلك الدول من أوروبا عموماً، وفرنسا
على وجه الخصوص؛ ولذلك فإن الإدارة الأمريكية توفر للكيان الصهيوني كل سبل التأثير
على دول مثل إثيوبيا وكينيا ورواندا وأوغندا والكونغو؛ وذلك بهدف إبقاء مصر في
حالة توتر دائم وانشغال مستمر، كما يؤكد الكاتب، وختم «كيلو» قائلاً: إن النيل
سيصبح في السنوات القادمة قضية حياة أو موت، وجوهر القضية أن 95% من موارد مصر
النيلية تأتي من إثيوبيا. وقد فتحت السفارة الإثيوبية لدى الكيان الصهيوني ملفاً
عن «سد النهضة»، باللغة العبرية، أوضحت فيه بعض المعلومات عن المشروع، وأشارت إلى
أن تكلفة إنشائه تصل 4.8 مليار دولار، يتم تدبيرها من خلال سندات دين، تشتريها
الدول الصديقة والشركات والجمهور، مع الإشارة إلى أن الأرباح المنتظرة من هذه
السندات لأصحابها أكبر بكثير من الفوائد البنكية، ودعت السفارة الإثيوبية
المواطنين والشركات الصهيونية إلى المساهمة في تمويل المشروع عبر شراء هذه
السندات، وعادت وأوضحت أن من يحق لهم شراء هذه السندات هم الإثيوبيون أو مواليد
إثيوبيا، الذين يعيشون في الخارج ولديهم بطاقة هوية إثيوبية، أو مواطنو دول حوض
النيل، ضاربة المثال على ذلك بذكر السودان وكينيا وأوغندا وإريتريا وتنزانيا
وبوروندي والكونغو ورواندا، بدون الإشارة إلى مصر من قريب أو بعيد! قبل هذا تطورت
العلاقات بصورة مشبوهة، ففي عام 1966م أصبح للكيان الصهيوني وفد عسكري يتواجد بشكل
دائم في إثيوبيا، يتكون من 100 ضابط وقائد عسكري صهيوني، وكان هذا الوفد هو الأكبر
عدداً في إثيوبيا بعد الوفد العسكري الأمريكي، وحصلت إثيوبيا بزعامة الإمبراطور «هيلا
سيلاسي» الذي كان على خلاف مع مصر، على مساعدات صهيونية أكثر من أي دولة أخرى،
منها صفقة سلاح قيمتها 20 مليون دولار عام 1983م مكافأة لها على صفقة اليهود «الفلاشا».
وقد مارس وزير الخارجية الصهيوني السابق «أفيجدور ليبرمان» دوراً خطيراً في تنشيط
هذا العداء الإثيوبي لمصر، ودفع مشاريع بناء السدود بالتعاون مع «الموساد» الصهيوني،
وتوفير الدعم لمشاريع إثيوبيا المائية والسدود، حيث جعل على رأس أولوياته مواصلة
اختراق أفريقيا، لدرجة أن معلق الشؤون الاستخبارية في صحيفة «هاآرتس» شبهه بوزيرة
الخارجية ورئيسة الوزراء السابقة «جولدا مائير» التي عكفت منذ سنوات الخمسينيات
والستينيات من القرن الماضي على إيلاء أفريقيا أهمية خاصة، وحرصت على زيارة معظم
دول أفريقيا. استغلال الظروف وقد عرقلت ظروف الحرب وعدم الاستقرار في إثيوبيا،
وكذا تهديد مصر المستمر لإثيوبيا ببناء هذه السدود، وتقديم بدائل لنظام أديس أبابا
في تعطيل بناء هذه السدود والشروع فيها، حتى بدأت دول منابع النيل منذ عام 2004م
تعلن عن نيتها بناء سدود بغير رضاء مصر، كما تنص اتفاقية المياه لعام 1929م، وبدأت
تتجه لإبرام اتفاقية إطارية لجس نبض مصر تسمح لهم ببناء سدود وعدم الاعتراف بحصة
مصر من مياه النيل البالغة 55 مليار متر مكعب، ثم استغلت إثيوبيا اندلاع ثورة 25
يناير 2011م، ودخول مصر في حالة من الفوضى لتعلن في أﺑرﻳﻝ 2011م بدء ﺗدﺷﻳن إﻧﺷﺎء ﻣﺷروع
«ﺳد اﻟﻧﻬﺿﺔ»؛ ﻟﺗوﻟﻳد اﻟطﺎﻗﺔ اﻟﻛﻬروﻣﺎﺋﻳﺔ (5250 ﻣﻳﺟﺎوات) ﻋﻠﻰ اﻟﻧﻳﻝ اﻷزرق ﻏرﺑﻲ إﺛﻳوﺑﻳﺎ،
وﻋﻠﻰ ﺑﻌد ﻧﺣو 20 - 40 ﻛﻳﻠوﻣﺗرا ﻣن ﺣدود إﺛﻳوﺑﻳﺎ ﻣﻊ اﻟﺳودان، ﺑﺗﻛﻠﻔﺔ ﺗﺑﻠﻎ ﻧﺣو 4.8
ﻣﻠﻳﺎر دوﻻر، ينتظر أن تزيد إلى 8 مليارات دولار في نهاية المشروع عام 2017م،
وإسناده إلى ﺷرﻛﺔ «ﺳﺎﻟﻳﻧﻲ» (Salini) الإﻳطﺎﻟﻳﺔ، وﻫذا اﻟﺳد ﻫو أﺣد اﻟﺳدود اﻷرﺑﻌﺔ اﻟرﺋﻳﺳﺔ اﻟﺗﻲ اﻗﺗرﺣﺗﻬﺎ اﻟدراﺳﺔ
اﻷﻣرﻳﻛﻳﺔ ﻋﺎم 1964م! ولهذا لم تكن مفاجأة أن يعلن المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية «بريخيت
سمؤون» عن شكره العميق للدول الداعمة لـ«سد النهضة»، وعلى رأسها «إسرائيل،
والولايات المتحدة »، حسبما قال! إعلان حرب فهذا السد الإثيوبي بهذه
المعايير خطر على مصر، وكذلك السودان، وهو بمثابة إعلان حرب على مصر بتدبير صهيوني
أمريكي .
لم يعد أمام مصر سوى خيارين؛ الأول: هو الحرب والصدام مع إثيوبيا، ومن يدعمها (الكيان الصهيوني، وأمريكا، والغرب ودول منابع النيل)، الثاني: المضي قدماً في الضغط على إثيوبيا عبر وسائل القوة الناعمة؛ أملاً في الاستفادة من هذا السد، وتحويل الأضرار إلى مزايا أو تخفيفها بقدر الإمكان. وسبق أن أصدرت مؤسسة «ستراتفور» - وهي شركة استخبارات أمريكية خاصة - في أكتوبر الماضي تقريراً تؤكد فيه أن مصر تواجه خطر «وجود» إذا تمكنت إثيوبيا من بناء «سد النهضة»! وطبقاً لمؤسسة «ستراتفور»، فإن أمام مصر 3 خيارات لوقف بناء السد، أولها: مواصلة الضغط الدبلوماسي على أديس أبابا، وتستند مصر في هذا الاتجاه إلى أدوات متعددة، منها الشرعية الدولية؛ فبناء السد غير قانوني وفقاً لأحكام اتفاقية عام 1959م، واتفاق عام 2010م، وقد بادرت مصر بالفعل بالضغط على الهيئات التشريعية في هذه الدول لتأخير أو منع التصديق على الاتفاقية. وتضيف «ستراتفور»: «وإذا فشلت هذه الجهود، فالخيار الثاني للقاهرة هو تنشيط ودعم جماعات مسلحة لشن حرب بالوكالة على الحكومة الإثيوبية، ولن تكون هذه الخطوة جديدة على مصر؛ ففي السبعينيات والثمانينيات، استضافت مصر - وهو ما فعلته السودان لاحقاً - جماعات مسلحة معارضة لأديس أبابا، ومن بينها «الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا» التي انفصلت عن إثيوبيا في عام 1994م بدعم مصري، بالإضافة إلى أن مصر تستطيع دعم هذه الجماعات المسلحة مرة أخرى للضغط على الحكومة الإثيوبية الاستبدادية والمقسمة عرقياً، وهناك ما لا يقل عن 12 جماعة مسلحة منتشرة في أنحاء إثيوبيا وتعمل على قلب نظام الحكم أو إقامة مناطق مستقلة. وأشار لنفس المعلومات تقريباً «معهد الدراسات الأمنية» (ISS) في تقرير له (18 أكتوبر 2012م)، بعنوان «هل لا تزال الحرب على النيل وشيكة؟»، كتبه كبير الباحثين «ديبي تاديسي» Debay Tadesse من قسم «منع الصراعات وتحليل الأخطار»، أشار فيه إلى تسريبات «ويكيليكس» بأن حكومة السودان وافقت على استضافة قاعدة جوية مصرية في «كورس» Kuris بغرب دارفور، لاستخدامها في شن هجوم على «سد النهضة» الإثيوبي في حال فشلت الجهود الدبلوماسية، وكانت تسريبات «ويكيليكس» بناء على تقرير لـ«ستراتفور»، وهي وكالة استخبارية خاصة. وطبقاً لموقع «Awramba times» - وهو موقع إثيوبي أمريكي يحرره الصحفي الإثيوبي المنفي «داويت كيبيدي»، الفائز بجائزة حرية الصحافة الدولية من لجنة حماية الصحفيين لعام 2010م - فإنه يمكن لمصر الاستعانة بحلفائها في إريتريا لزعزعة استقرار إثيوبيا، ويبدو أن ذلك هو السيناريو الذي بدأ بالفعل؛ فقد أعلنت إثيوبيا مؤخراً أنها ضبطت 500 قطعة سلاح وكميات كبيرة من الذخيرة أثناء محاولة تهريبها إلى داخل البلاد من السودان، وجاءت هذه الواقعة بعد شهر واحد من إعلان 6 جماعات إثيوبية معارضة في المنفى تشكيل حركات مسلحة ضد الحكومة، وحسب موقع «أفريقيا ريفيو» فإن إثيوبيا قد تكون الآن في طريقها لحرب أهلية بتحريض وتمويل من مصر. أما الخيار الثالث - حسب تصور «ستراتفور» - فهو التدخل العسكري المباشر الذي قد تلجأ إليه القاهرة في حالة نجاح إثيوبيا في بناء السد، وتأثرت حصتها بالفعل وبشكل كبير، ومهما كانت توجهات القيادة المصرية أو شخص الرئيس المصري وقتها، فلن يتسامح أي زعيم مصري في ضياع جزء كبير من حصتها المائية.